St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

597- كيف يوصينا السيد المسيح أن لا نخاف من الذين يقتلون الجسد (لو 12: 4) بينما هو هرب في طفولته إلى مصر؟ وهل الشيطان هو الذي له سلطان أن يُلقي في جهنم (لو 12: 5) باعتباره رئيس مملكة الظُلمة؟ ولماذا رفض السيد المسيح أن ينصف المظلوم (لو 12: 13)؟

 

س597: كيف يوصينا السيد المسيح أن لا نخاف من الذين يقتلون الجسد (لو 12: 4) بينما هو هرب في طفولته إلى مصر؟ وهل الشيطان هو الذي له سلطان أن يُلقي في جهنم (لو 12: 5) باعتباره رئيس مملكة الظُلمة؟ ولماذا رفض السيد المسيح أن ينصف المظلوم (لو 12: 13)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كيف يوصينا السيد المسيح أن لا نخاف من الذين يقتلون الجسد (لو 12: 4) بينما هو هرب في طفولته إلى مصر..؟ لقد هرب السيد المسيح في طفولته إلى أرض مصر أولًا: لأنه لم يكن قد أكمل رسالته بعد، فهو لم يكن قد كرز ببشارة الملكوت. وثانيًا: ليعلمنا أن نهرب من وجه الشر كما قال الكتاب: "اطْلُبِ السَّلاَمَةَ وَاسْعَ وَرَاءَهَا" (مز 34: 14).. " لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رو 12: 21). وقد هرب بولس الرسول من دمشق بعد أن أنزلوه مدلين إياه في سَلّ (أع 9: 23-25). والهرب من وجه الشر لا يعني الخوف من الموت، إنما يعني تفادي الشر والبُعد عنه، ولكن عندما تحتدم معركة الإيمان حينئذ تظهر شجاعة الأبطال مثلما فعل جميع الشهداء، متمثلين بالسيد المسيح الذي سلَّم نفسه للموت بإرادته. فعند القبض عليه في بستان جثسيماني عندما سألهم من تطلبون، وقالوا يسوع الناصري وقال أنا هو مُعلنًا عن شيء يسير من مجده: "رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ" (يو 18: 6) فكانت الفرصة مواتية جدًا للهرب مثلما هرب التلاميذ ولكنه لم يفعل، وسار على منواله في مواجهة الموت ألوف ألوف من الشهداء ولو خشى واحد منهم الموت ما كان أكمل شهادته.

والتحذير من الخوف خط أصيل في الكتاب المقدَّس لأن الخوف خطية تمنع صاحبها من دخول ملكوت السموات، " وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ... فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ" (رؤ 21: 8) ولهذا أوصانا إلهنا الصالح بأن لا نخف حتى من الذي يقتل الجسد: "لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي" (إش 41: 10).. " لاَ تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ يَقُولُ الرَّبُّ وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ" (إش 41: 14).. " يَا أَحِبَّائِي لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ" (لو 12: 4)، ولاحظ أن السيد المسيح يستخدم تعبير " يَا أَحِبَّائِي" الذي لم يخاطب به تلاميذه في الأناجيل الأزائية إلاَّ في هذا الموضع، مقارنة بما جاء في (يو 15: 14)، وذلك لأن الموت هو الكارثة الكبرى التي يقف حيالها الإنسان عاجزًا تمامًا مكتوف الأيدي، ولذلك فهو في حاجة شديدة للطمأنينة الإلهيَّة، ولذلك استخدم الرب يسوع تعبير " يَا أَحِبَّائِي"، فمتى شعر الإنسان أنه صار موضع الحب الإلهي، سهل عليه جدًا أن يُقدم ذاته ذبيحة على مذبح الحب الإلهي. وإلهنا الصالح يبث فينا روح الطمأنينة، فهو الذي يهتم بالعصفور الصغير الذي لا قيمة له، وهو الذي قال لنا: "أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ" (لو 12: 7)، وقد شبه داود النبي نفسه بعصفور: "كَيْفَ تَقُولُونَ لِنَفْسِي اهْرُبُوا إِلَى جِبَالِكُمْ كَعُصْفُورٍ" (مز 11: 1).. " انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ" (مز 124: 7) وقال المرنم: "لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ" (مز 91: 3)، وقال سليمان الحكيم: "نَجِّ نَفْسَكَ كَالظَّبْيِ مِنَ الْيَدِ كَالْعُصْفُورِ مِنْ يَدِ الصَّيَّادِ" (أم 6: 5) (راجع مز 102: 7).

والخوف من الموت يقود إلى الإنكار، فبسبب الخوف أنكر بطرس الرسول سيده، وبسبب الخوف من التعذيب قد ينكر الإنسان مُخلصه، والذين يخافون من السلوك باستقامة وتقوى، فيتركون أنفسهم لفساد العالم وشره ينكرون مُخلصهم: "يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الله وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ" (تي 1: 16). كما أن الذين يخشون الاهتمام بذويهم هربًا من التكلفة والصرف عليهم، يدخلون في دائرة الإنكار: "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ" (1 تي 5: 8).. لذلك فنحن نحتاج إلى روح الشجاعة والمثابرة لنكمل جهادنا بسلام.

St-Takla.org Image: Our Lord Jesus Christ, circle art (image 10) - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد يسوع المسيح، فن في شكل دائرة (صورة 10) - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

St-Takla.org Image: Our Lord Jesus Christ, circle art (image 10) - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 29 August 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد يسوع المسيح، فن في شكل دائرة (صورة 10) - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 أغسطس 2023 م.

2- هل الشيطان هو الذي له سلطان أن يُلقي في جهنم (لو 12: 5) باعتباره رئيس مملكة الظلمة؟... قال السيد المسيح: "بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ مِنْ هذَا خَافُوا" (لو 12: 5)، والكتاب لم يعلمنا أن نخف من إبليس بل دعانا إلى مقاومته حتى يهرب: "فَاخْضَعُوا ِللَّهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ" (يع 4: 7).. " اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ" (1 بط 5: 8، 9). وبالرغم من أن إبليس هو رئيس مملكة الظُلمة وهو المتحكم في مملكة جهنم، لكن ليس له سلطان على أولاد اللَّه ليُلقي بهم في جهنم النار، بل بالعكس فإن السيد المسيح قد أعطانا الغلبة على إبليس وجنوده: "هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ" (لو 10: 19).." وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي" (مر 16: 17).

ويقول "القس ليون موريس": "وثمة قلة من المفسرين يرون أن ذاك الذي له سلطان أن يُلقي في جهنم هو الشيطان، ولكن هذا فكر مرفوض تمامًا، فالشيطان لا يستطيع أن يعمل إلاَّ في الحدود التي سمح له اللَّه بها. وما من إشارة تلمح إلى أن اللَّه قد أعطاه في أي وقت هذا السلطان. وعلينا ألا نخشى الشيطان بل نُقاومه (يع 4: 7، 1 بط 5: 9). فاللَّه فقط هو الذي له السلطان فيما يتعلق بالأمور الأبدية، ويكرّر يسوع قوله "نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ مِنْ هذَا خَافُوا".." (291).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

3- لماذا رفض السيد المسيح أن ينصف المظلوم (لو 12: 13)؟... بينما كان السيد المسيح يعلّم التلاميذ والجمع، رفع هذا الرجل صوته وكأنه قد ألقى بحجر في مجرى مائي صافي فأحدث فوضى، فانتهز ضابط الكل الفرصة ليُقدِّم تعليمًا روحيًا نافعًا... رفع الرجل صوته قائلًا: "يَا مُعَلِّمُ قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ. فَقَالَ لَهُ يَا إِنْسَانُ مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا" (لو 12: 13، 14)، ولم يذكر الإنجيل أن هذا الرجل قد تعرَّض للظلم من قِبَل أخيه، ونلاحظ هنا الآتي:

أ– لم يأتِ السيد المسيح من أجل إقامة مملكة أرضية أو لأجل وضع شرائع أرضية، بل قال صراحة عندما اتهموه أنه يريد أن ينصّب نفسه ملكًا: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ" (يو 18: 36). أنه جاء ليرد الإنسان إلى مرتبته الأولى ويعيده إلى حضن الآب، لذلك نلاحظ أن أول كلمة وجهها لهذا الرجل هيَ " يَا إِنْسَانُ" ليذكره بمقامه السامي المترفع عن المادة والماديات، والتراب والترابيات، سواء كان هو الطامع في أكثر من نصيبه كما حددته الشريعة، أو أن أخيه هو الطامع في الميراث كله، فالسيد المسيح لم يأتِ ليُعيد ميراث أرضي مسلوب، بل أنه قادر أن يعوّض هذا المظلوم أضعاف أضعاف، إنما جاء ليرد لنا الميراث السمائي الذي سلبه عدو الخير منا.

ب– نظر هذا الرجل للسيد المسيح كمجرد معلِّم يهودي يدلي برأيه ويصدر حكمه في النقاط القانونية المتنازع عليها، وكان كبار الكهنة والفريسيون يحكمون بين من يقصدونهم. أما السيد المسيح فقد جاء ليعلي قانون الحب فوق مطامع الإنسان.

جـ- لم يطلب هذا الرجل من السيد المسيح أن يحدد نصيب كل منهما، بل طلب قرارًا لصالحه أن يقاسمه أخيه الميراث، وربما يكون أخوه هو البكر، وبحسب الشريعة له نصيبين من الميراث (تك 48: 22، تث 21: 17) لأنه يحل محل أبيه ويكون مسئولًا عن استمرار فتح بيت أبيه، وإعالة إخوته الصغار وأخواته المُطلقات ويكون ملجأ وسندًا لجميع إخوته.

د– أوضح السيد المسيح للجميع أن حياة الإنسان ليست في أمواله وغناه، وأوصاهم: "انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ" (لو 12: 15)، وأعطاهم مَثَل "الغني الغبي". ويقول "الأنبا غريغوريوس" أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي: "لقد كانت رسالة معلمنا على الأرض رسالة روحية خالصة كما كان سلطانه سلطانًا روحيًا خالصًا، فلم يضع للناس تشريعًا أرضيًا، ولم يشأ أن يكون له سلطان المشرّع الأرضي، ولم يقضِ بين الناس في شئون أرضية، ولم يشأ أن يكون له سلطان القاضي، ومن ثم لم يتعرض للتشريعات المدنية للدولة ولم يتدخل في المنازعات القضائية بين الأفراد، لأن هذه كلها أمور أرضية زائلة، في حين كان تعليمه هو تعليمًا سماويًا خالدًا يتعلق لا بالحياة الدنيوية على الأرض، وإنما بالحياة الروحية في السماء، هادفًا لأن يدعو الناس لأن يخضعوا في الأرض، لا لشريعة الأرض، وإنما لشريعة السماء... بيد أن القول الصادر من الرب يسوع المسيح هنا (مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا) لا يهدم القضاء ولا يلغيه ولا يُبطل الحاجة إليه، بل يؤكده، ولكنه يحيله إلى المُختصين به من أهل القضاء، وفي نفس الوقت يكشف عن دعوة السيد المسيح الروحية إلى حياة الكمال التي تعلو على مستوى الاختصام إلى القضاء الأرضي" (292).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(291) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص221.

(292) موسوعة الأنبا غريغوريوس - الكتاب المقدَّس جـ 4 - من تفسير إنجيل القديس لوقا، ص139.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/597.html

تقصير الرابط:
tak.la/x7xs4m4